سورة الجمعة - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجمعة)


        


{يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)}
تقدم الكلام فيه. وقرأ أبو العالية ونصر بن عاصم {الملك القدوس العزيز الحكيم} كلها رفعا، أي هو الملك.


{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2)}
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} قال ابن عباس: الأميون العرب كلهم، من كتب منهم ومن لم يكتب، لأنهم لم يكونوا أهل كتاب.
وقيل: الأميون الذين لا يكتبون. وكذلك كانت قريش.
وروى منصور عن إبراهيم قال: الأمي الذي يقرأ ولا يكتب. وقد مضى في البقرة. {رَسُولًا مِنْهُمْ} يعني محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وما من حي من العرب إلا ولرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم قرابة وقد ولدوه. قال ابن إسحاق: إلا حي تغلب، فإن الله تعالى طهر نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم لنصرانيتهم فلم يجعل لهم عليه ولادة. وكان أميا لم يقرأ من كتاب ولم يتعلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الماوردي: فإن قيل ما وجه الامتنان فإن بعث نبيا أميا؟ فالجواب عنه من ثلاثة أوجه: أحدها: لموافقته ما تقدمت به بشارة الأنبياء.
الثاني: لمشاكلة حال لأحوالهم، فيكون أقرب إلى موافقتهم.
الثالث: لينتفي عنه سوء الظن في تعليمه ما دعى إليه من الكتب التي قرأها والحكم التي تلاها. قلت: وهذا كله دليل معجزته وصدق نبوته. قوله تعالى: {يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ} يعني القرآن {وَيُزَكِّيهِمْ} أي يجعلهم أزكياء القلوب بالايمان، قاله ابن عباس.
وقيل: يطهرهم من دنس الكفر والذنوب، قاله ابن جريج ومقاتل.
وقال السدي: يأخذ زكاة أموالهم {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ} يعني القرآن {وَالْحِكْمَةَ} السنة، قاله الحسن.
وقال ابن عباس: الْكِتابَ الخط بالقلم، لان الخط فشا في العرب بالشرع لما أمروا بتقييده بالخط.
وقال مالك بن أنس: الْحِكْمَةَ الفقه في الدين. وقد مضى القول في هذا في البقرة. {وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ} أي من قبله وقبل أن يرسل إليهم. {لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي في ذهاب عن الحق.


{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)}
قوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ} هو عطف على الْأُمِّيِّينَ أي بعث في الأميين وبعث في آخرين منهم. ويجوز أن يكون منصوبا بالعطف على الهاء والميم في يُعَلِّمُهُمُ وَيُزَكِّيهِمْ، أي يعلمهم ويعلم آخرين من المؤمنين، لان التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان كان كله مسندا إلى أوله فكأنه هو الذي تولى كل ما وجد منه. {لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} أي لم يكونوا في زمانهم وسيجيئون بعدهم. قال ابن عمرو سعيد بن جبير: هم العجم.
وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: كنا جلوسا عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ نزلت عليه سورة الجمعة فلما قرأ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يراجعه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا. قال وفينا سلمان الفارسي. قال: فوضع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على سلمان ثم قال: «لو كان الايمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء». في رواية: «لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس- أو قال- من أبناء فارس حتى يتناوله». لفظ مسلم.
وقال عكرمة: هم التابعون. مجاهد: هم الناس كلهم، يعني من بعد العرب الذين بعث فيهم محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقاله ابن زيد ومقاتل ابن حيان. قالا: هم من دخل في الإسلام بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى يوم القيامة.
وروى سهل بن سعد الساعدي: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن في أصلاب أمتي رجالا ونساء يدخلون الجنة بغير حساب»- ثم تلا- {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}. والقول الأول أثبت. وقد روي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «رأيتني أسقي غنما سودا ثم أتبعتها غنما عفرا أولها يا أبا بكر» فقال: يا رسول الله، أما السود فالعرب، وأما الغفر فالعجم تتبعك بعد العرب. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كذا أولها الملك» يعني جبريل عليه السلام. رواه ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو علي ابن أبي طالب رضي الله عنه.

1 | 2 | 3 | 4